الكاتب حســــــــــين الســــاعــــدي - قراءة في أربعينية الامام الحسين (ع)



قراءة في أربعينية الامام الحسين (ع)
يقول عالم النفس السلوكي (كارليونغ Carl Jungـ 1875/1961) ان الفرد عندما يتعرض لصدمة ما يفقد توازنه لفترة ما ومن ثم قد يستجيب لها بنوعين من الاستجابة . الاستجابة الاولى هي النكوص الى الماضي لاستعادة التوازن والتمسك به بديلا عن واقعه المر فيصبح انطوائيا وهذه الاستجابة تسمى (استجابة سلبية ) .اما الاستجابة الثانية هي قبولالصدمة والاعتراف بها ثم محاولة التغلب عليها فيكون في هذه الحالة انبساطيا وهذه الاستجابة تسمى (استجابة ايجابية) .
وعلى أساس هذه النظرية أقام المؤرخ والفيلسوف البريطاني الشهير (آرنولد توينبيArnold Toynbee 1889/1975) في صياغة نظريته في نشوء الحضارات والذي اسماها (التحدي والاستجابة shallengeresponse ) وقد ذكرها في كتابه الكبير (دراسة للتاريخA Study of History) الذي يقع في أثني عشرمجلداً (1934-1961)،وخلاصتها أن الحضارة لا تنشأ إلا حيث تكون البيئة صالحة لتحدّي شعب ما، ويكون هذا الشعب على أتمّ الاستعداد للاستجابة لذلك التحدّي ،ولعل من مصاديق هذه النظرية تمثلت في الدولة اليابانية الحديثة التي درست عيوبها وخططت لمستقبلها وإنتقلت من دمار القنبلة الذرية إلى ماهي عليه اليوم من الإبداع في الصناعة والمعرفة.
بعد هذه المقدمة الموجزة عن هذه النظرية ,لنضع زيارة اربعينية الامام الحسين (عليه السلام)ضمن مقايس هذه النظرية حتى نشخص من خلالها نوع الاستجابة التي شهدتها هذه الزيارة الاربعينية في ضوء التحديات التي واجهتها من قبل القوى الارهابية خاصة ونحن في هذه الايام نواجه اشرس هجمة ارهابية عرفها العراق منذ سقوط النظام والمتمثلة بالإرهاب الداعشي الذي يفتك بالعراق والعالم مما وضع زيارة الاربعين امام تحدي هو اشد خطورة من سابقه ولو اردنا ان نستطلع المسيرة الاربعينية لزيارة الامام الحسين (ع) منذ سقوط النظام وليومنا هذا نلاحظ ان كلعاموالجماهير المؤمنة تهب وتستجمع كل قواها لغرض مواجهة هذا التحدي حتى تتغلب عليه وهذه الحالة يسميها عالم النفس السلوكي (كارل يونغ)الاستجابة الايجابية (الانبساطية)ولو اردنا اخضاع هذه الزيارة وفق هذه المقاييس من الخطورة في اي مجتمع من المجتمعات عندما تتعرض عقائده الى مخاطر من هذا النوع فأن هذه المجتمعات سوف تنكفئ على نفسها ويصيبها الوهن في اداء طقوسها الدينية لأنها تتوقع الكثير من التهديدات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة وكل انواع الارهاب الاخرى ,أضافة الى الظروف المناخية القاسية سواء كانت شتاء ام صيفا , الا ان الجماهير المؤمنة لم ولن تثنيها هذه المخاطر الارهابية وسقوط الكثير منهمبين شهيد وجريح بل راح الواحد منهم يستنفر كل افراد عائلته من الاطفال والنساء حتى يقول الى الاخر اننا امة حية مؤمنة بدينها ورموز هذا الدين ونحيي طقوس هذا الدين ومهما كلف الامر من تضحيات المهم ان رسالة الامام الحسين (ع) يجب ان تستمر في رفض الظلم والطغيان والدعوة للإصلاح وان تستمر المسيرة صوب كربلاءلترفد الثورة الحسينية وعلى مر التاريخ الدماء من أجل أن تبقى على مدى الزمان صرخة مدوية في وجه الظلم والطغيان .
ان المسيرة الحسينية (الزيارة الاربعين) اعطت تأكيد لنظرية توينبي وهي انه لا يمكن ان يكون هناك استجابة ايجابية واعية دون وجود قاعدة ايمانية صلبة لا يمكن لها ان تلين امام هذه التحديات من خلال ايمانها المطلق برسالة الامام الحسين (ع) ووقوفه بوجه الظلم والتضحيات التي قدمها من اهل بيته (ع) وصحبه من أجل اعلاء كلمة (الله أكبر) الذي اراد الاجرام الاموي ان يسقطها ولكن يأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون و المنافقون والمبطلون والكارهون والظالمون .ان مسيرة (الاربعينية الحسينية) بعثت برسالة الى كل قوى الارهاب والظلم ان جبروتهم وطغيانهم وغطرستهم لن تثني الجماهير المؤمنة من اداء دورها الاصلاحي الذي رسمه اليها الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)وسوف تبقى عاشوراء وشعائرها المقدسة صرخة مدوية بوجه الارهاب البعثي الوهابي الصهيوني .
لقد اعطت الزيارة الاربعينية الدروس العملية والواقعية للإنسانية جمعاء في التضحية والفداء بكل غالي ونفيس ونكران الذات لترتقي بإنسانية الانسان الى السمو والارتقاء نحو ذرى المجد والسؤدد والرفعة وان الاهداف النبيلة تتطلب التضحية من اجلها ومهما بلغت هذه التضحيات وحجم التحديات وبما ان الاستجابة للتحدي كانت ناجحة فأن قيم الحق والعدل سوف تكون هي السائدة ويكون سر نجاحها هو كما اسماه توينبي (الدافع الحيويElan Vital) وهي الطاقة الكامنة لدى الفَرد والمُجتمع التي تنطلق بغرض التحقيق الذاتيّ.
بـقلـــم / حســــــــــين الســــاعــــدي

تعليقات

المشاركات الشائعة