مهند طالب هاشم // القراءة الصحيحة للعمل الأدبي
القراءة الصحيحة للعمل الأدبي
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, مهند طالب هاشم
القراءة التي يجب على المثقف فهم مقدارها العيني وفهم المقاصد التي ترتبت عليها القراءة وتداعياتها في خضم وقائعها التي حدثت عليها في كافة المجالات الجنسية للأدب , وكي يكون القارئ في محله الصحيح وفهمه الصحيح توجب عليه استدراك العينة التي يقدمها النص الأدبي ( بين ما يعنيه الكاتب وبين ما تعنيه الكلمة أو الجملة ) وحيث ان كل قارئ أو ناقد لا يمكنه ابدا ان يزعم انه قد ألمَّ الماماً مطلقاً بالمعنى الذي اراده الكاتب , لكنه يستطيع أن يقترب من ذلك وفي حدود معينة , تكون مقبولة ومعقولة في فهم المقصد , يقول "أي دي هيرش " : ) ان تسلسل الكلمات لا يعني شيئا معينا الا اذا استخدمه المرء ليعني شيئا ما ) لكن المعنى في الوقت نفسه منوط بالحدث اي ان معنى الكاتب يقرره الكاتب نفسه فهو وظيفة من وظائف القصد الذي يدلي به كما قال" هيرش " / وحيث نلتمس ايضا الفرق بين المعنى الذاتي والمعنى الموضوعي , والفرق بين قصد المؤلف وقصد القارئ وكل ذلك يحيلنا الى البحث عن (المعنى الأساسي في الموضوع ), فالقراءة هي دمج وعينا بمجرى النص على اساس التفاعل بين الفعل والبنية , ويمكن توضيح القصدية هنا على انها وعي دائم الوعي , أو باحث عن وعي آخر , وافضل طريقة لمعرفة هذا الوعي هي ان نعرف الفعل الذي به يقصد ( او يعني او يتخيل او يتصور ) فكل حالة من الوعي او القصد تفترض اذن وجود الفاعل والموضوع ويؤلف كلاهما الاخر ويظهران في صيغة الفعل والبنية , ومن الطبيعي ان يشمل القصد جميع انواع الموضوع كالخيال , والملموس , والمجرد , والمثالي , والذي لا وجود له , والغائب , وما شابه ذلك , وكل واحد يحدد فعل القصد او معنى يختلف بعض الشيء عن غيره عن الفاعل صاحب القصد , فان معنى اي نص يتم قراءته انما هو في الحقيقة المعنى الذي يقصده الكاتب لهذا النص , وهذا النتاج في الوقت نفسه انما هو موضوع , كونه القصد الاصلي للكاتب , قصد الكاتب واستقلالية النص , لذلك فان القارئ يجب عليه الانطواء او عدم الانفصال التي ينطوي عليها ادراك العالم الواقعي او الملموس ؟ بل يجب عليه ان يشعر بانه يندمج بكل ما يحيط به , لقد اصبح كل شيء جزءاً من عقله , وتحرر من احساسه الاعتيادي بالانسجام بين وعيه والموضوع الذي يقرأه , حيث يستطيع ان يرتبط باحدى الشخصيات الموجودة في العمل الادبي او الغاية , طبقا للفكرة القديمة التي نسميها "التشخيص" حيث يستطيع ان ينسب كل رأي في النص الى الكاتب اذ يقول "بوليه" : ان النتاج الادبي مهما كانت صلته بوجود الكاتب , له حياة خاصة به , يعيشها كل فرد في قراءته ذلك النص .
ويؤكد "بوليه " ان العمل الادبي يجب ان نفرقه عن الكاتب او النص او ما شابه ذلك من كيان شكلي ملموس او مثالي . فله استقلال ذاتي خاص به .
ان القصد قادر على خلق كيان كامل وليس بناء وعي تدريجي , وهذه الفكرة تتجنب الايحاء بان صورة العمل الادبي الاجمالية الكاملة تعتمد بطريقة ما على الفترة الزمنية التي تستغرقها القراءة , فالقراءة لا تبني العمل من خلال ادراكها اياه تدريجيا , بل تكشف عن وجوده في الحال .
"لابد للعمل الادبي من وجهة نظر معينة , ان يجتاز اختبار الاشارة , وهذا ان القارئ لا يمكن ان يقصد الا عالما روائيا قصصيا ينسجم مع خبرته عن الواقع ولا يمكن ان يخلق سوى عالم هو عالمه والعالم الخارجي في آن واحد" (ما هو الأدب ص 76)
القراءة في بعض اوجهها تشبه الخيال وتبدو في اوجهها الاخرى اقرب الى عملية حلّ الشفرة منها الى التأمل , اذ يقول " سارتر " : ان الكلمات تؤدي الى الصور الذهنية حين نحلم بها احلام اليقظة , ولكن حين اقرأ لا احلم احلام اليقظة , بل احلَّ الرموز .
وهنا يختلف الادراك عن خلق الصور الذهنية في انه عملية سلبية , تستند الى الاتصال بالكيان الحاضر الذي يفترض الادراك وجوده سلفا , ثم ان الادراك يحدث في اطار زمني : يظهر الموضوع في الادراك على هيئة مجموعة من الاوجه او الانعكاسات , ولابد للمرء ان يتعلم المواضيع وهذا يعني مضاعفة اوجه النظر اليها ( الخيالي ص 21 – 22) واهم من ذلك ان الموضوع الذي يدركه المرء يفوق وعي ذلك الشخص الذي يقوم بالادراك , ومهما كانت اوجه الموضوع التي ندركها في لحظة معينة , فنحن نعلم ان لهذا الموضوع وجوها احتياطية لا محدودة من العلاقات الممكنة , بمواضيع اخرى , وبعناصر الموضوع نفسه , اذ ان ( هذه العلاقات اللامحدودة هي التي تؤلف جوهر الشيء , فالموجود في كل لحظة يفوق على نحو لا محدود ما نستطيع رؤيته . ( الخيالي ص 24 )
"ولما ان اغلب الكتابات هي مجازية فان معرفة المجاز تتطلب استبيان العلاقة بين شكل المجاز ومعناه , وهذا نجده في نظام اللغة ونظام البلاغة مع ان قيمة المجاز تكمن في قوته الابداعية الخلاقة , كما ان مجمل فكرتنا عن الادب تقول انه ليس مجموعة مدونة من الافكار التي لها وجود مسبق , بل مجموعة من الافعال الجذرية الخلاقة والتقاليد التي نلجأ اليها لتفسير المعاني الادبية انما هي نتاجات /نتاجات لابد منها\ " (البحث عن الاشارات ص 39 )
من ذلك نستنتج ان القراءة تتطلب وعيا خارجيا لوعينا الداخلي , وعلاقة الوعي الخارجي بالوعي الداخلي علاقة اكتسابية اقتباسية مبنية على التعلم والخزن الفونيمي للمعلومة اللغوية والمصطلحية والبيانية , وايضا الفونيم التي تمييز نطق لفظة عن نطق لفظة أخرى ، الوحدة الصوتية المميّزة التي تمنح القراءة حدوثاً صحيحاً , القراءة ليست مسألة اختيارية ؟ بل هي قضية حساسة تعتمد الفهم الحقيقي للمعنى المراد ايصاله او الاقتراب منه .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
المصدر :
المعنى الأدبي / وليم راي
ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز
دار المأمون 1987وزارة الثقافة والاعلام
ويؤكد "بوليه " ان العمل الادبي يجب ان نفرقه عن الكاتب او النص او ما شابه ذلك من كيان شكلي ملموس او مثالي . فله استقلال ذاتي خاص به .
ان القصد قادر على خلق كيان كامل وليس بناء وعي تدريجي , وهذه الفكرة تتجنب الايحاء بان صورة العمل الادبي الاجمالية الكاملة تعتمد بطريقة ما على الفترة الزمنية التي تستغرقها القراءة , فالقراءة لا تبني العمل من خلال ادراكها اياه تدريجيا , بل تكشف عن وجوده في الحال .
"لابد للعمل الادبي من وجهة نظر معينة , ان يجتاز اختبار الاشارة , وهذا ان القارئ لا يمكن ان يقصد الا عالما روائيا قصصيا ينسجم مع خبرته عن الواقع ولا يمكن ان يخلق سوى عالم هو عالمه والعالم الخارجي في آن واحد" (ما هو الأدب ص 76)
القراءة في بعض اوجهها تشبه الخيال وتبدو في اوجهها الاخرى اقرب الى عملية حلّ الشفرة منها الى التأمل , اذ يقول " سارتر " : ان الكلمات تؤدي الى الصور الذهنية حين نحلم بها احلام اليقظة , ولكن حين اقرأ لا احلم احلام اليقظة , بل احلَّ الرموز .
وهنا يختلف الادراك عن خلق الصور الذهنية في انه عملية سلبية , تستند الى الاتصال بالكيان الحاضر الذي يفترض الادراك وجوده سلفا , ثم ان الادراك يحدث في اطار زمني : يظهر الموضوع في الادراك على هيئة مجموعة من الاوجه او الانعكاسات , ولابد للمرء ان يتعلم المواضيع وهذا يعني مضاعفة اوجه النظر اليها ( الخيالي ص 21 – 22) واهم من ذلك ان الموضوع الذي يدركه المرء يفوق وعي ذلك الشخص الذي يقوم بالادراك , ومهما كانت اوجه الموضوع التي ندركها في لحظة معينة , فنحن نعلم ان لهذا الموضوع وجوها احتياطية لا محدودة من العلاقات الممكنة , بمواضيع اخرى , وبعناصر الموضوع نفسه , اذ ان ( هذه العلاقات اللامحدودة هي التي تؤلف جوهر الشيء , فالموجود في كل لحظة يفوق على نحو لا محدود ما نستطيع رؤيته . ( الخيالي ص 24 )
"ولما ان اغلب الكتابات هي مجازية فان معرفة المجاز تتطلب استبيان العلاقة بين شكل المجاز ومعناه , وهذا نجده في نظام اللغة ونظام البلاغة مع ان قيمة المجاز تكمن في قوته الابداعية الخلاقة , كما ان مجمل فكرتنا عن الادب تقول انه ليس مجموعة مدونة من الافكار التي لها وجود مسبق , بل مجموعة من الافعال الجذرية الخلاقة والتقاليد التي نلجأ اليها لتفسير المعاني الادبية انما هي نتاجات /نتاجات لابد منها\ " (البحث عن الاشارات ص 39 )
من ذلك نستنتج ان القراءة تتطلب وعيا خارجيا لوعينا الداخلي , وعلاقة الوعي الخارجي بالوعي الداخلي علاقة اكتسابية اقتباسية مبنية على التعلم والخزن الفونيمي للمعلومة اللغوية والمصطلحية والبيانية , وايضا الفونيم التي تمييز نطق لفظة عن نطق لفظة أخرى ، الوحدة الصوتية المميّزة التي تمنح القراءة حدوثاً صحيحاً , القراءة ليست مسألة اختيارية ؟ بل هي قضية حساسة تعتمد الفهم الحقيقي للمعنى المراد ايصاله او الاقتراب منه .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
المصدر :
المعنى الأدبي / وليم راي
ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز
دار المأمون 1987وزارة الثقافة والاعلام
تعليقات