كواكب الأدب - مجلة عراقية أدبية ثقافية - أحمد أبويامن (أُفُول )

أُفُول
طلع الفجر بتسابيح الندى ، ذابت همهمات الليل بين رقرقة ماء و سجود .
استفاق على صوت قادم من بعيد ، من غياهب أعماقه ، نظر إليها ، كانت تغطُّ في سقم شديد ، انسل خلسة وخرج .
افترش الأرض عند شجرة التين ، ما زال يذكر يوم زرعتها بيدها ، منذ عشرين مضت او ربما أكثر ، في ظهيرتهم تلك ضحك كثيراً ، أصرّت يومها على غرسها رغم سيول استهزائه المعهودة بها و بالغرسة الصغيرة ، الساجور وقتئذٍ كان في ريعان الغزارة والبهاء .
اسند ظهره على صخرة جعل منها حوضاً تشرب منه الطيور ، السهرة التي رآها فيها للمرة الأولى كانت ليلة زفاف ابن خاله ، أمضت الوقت برعاية المدعوين و تلبية طلباتهم ، الفوانيس تشهد على تبادل الابتسامات و خفقان القلوب .
اللحظات الساحرة تلك طواها زمن طويل جاوز حدّ احتماله ، الدموع راحت تتسابق على خديه بخفة ، سمع صوتها ، هرع راكضاً ، دخل الحجرة ، ألفاها تئن أنيناً متعباً ، مدّت يدها تطلب الماء ، دنا ليملأ الكوب ، فرأت لآلئ عينيه ، كتمت حسرتها ، لم تكن تحيا معه كزوجة فقط ، إنها أم و رفيق و حبيب .
لجمت دموعه شهقتها فماتت في حلقها ، غفت ، فعاد أدراجه يؤرجحه قلق و تغادره سكينة .
الشمس أطلت منهكة كقلبه الحائر ، الخوف يستولي على عرائش قلبه ، تراوده اللحظة التي سيسرع إلى حيث ترقد ، فيجدها قد مضت بدونه .
النهر يهدر في باله ، صفحة طوتها السنون كآماله الممزقة بحراب الحرمان .
قضم أبو العيس سبعيناً في قرية تتكئ في حضن تلة كغزالة شردت لوحدها ، يلعب الساجور في وادٍ يحرسه الحور والجوز والرمان .
عجوز أمضى العمر يلازم زوجة ، يلوكها بلسانه طوال النهار ، ويغفو على وسادة صبرها وحنانها بعد كل مغيب ، لوحدهما بلا أحد .
رفع طرف ثوبه ، جمع البيض ، أحضر الحليب و الزبدة وقِطع الجبن ، تناول ابريق الشاي ورغيفين ، مدّ بساطاً في الظل ، دنا منها ، لمس خدها ، فتحت عينيها ، اعتدلت ببطء ، أسندت وجعها على صدره و سارا معاً ، يهمس لهما نهر تشققت قدماه ، وتوشوش لهما العصافير .
تعليقات