نقد وقراءة في قصيدة الشاعر العراقي لؤي اللامي ((نجوى الكمنجة)) تقديم مهند طالب الدراجي






نقد وقراءة في قصيدة الشاعر العراقي لؤي اللامي 
((نجوى الكمنجة))
تقديم مهند طالب الدراجي
المقدمة ................... عندما نقف رؤوياً أمام قصيدة شعرية , فأننا بادئ ذي بدء نتمعن في اللغة وهذا أمرٌ فطريٌ في ذات المتلقي عندما يقرأ القصيدة , وكمدخلٍ أدبيٍ , فأننا نقف أمام القصيدة كلها , بما احتوته من لغة ومعنى وهدف وموسيقى وفصاحة وبلاغة وصياغة وبناء , في هذه القصيدة التي تعود للشاعر العراقي لؤي اللامي سأبتعد عن العروض والأوزان وما شابه ذلك , بل سوف أتطرق للناحية الشعرية فيما يخص البناء اللغوي والصور الشعرية والمضمون والموسيقى , وذلك لأن القصيدة الشعرية خلية حية تنبض بالحياة , فيها الكثافة والحساسية وفيها الشعور الذي يتم توظيفه ليتجاوز واقعه إلى الرؤية التي تكشف لنا عمق الدوال والإيحاء , لنصل إلى خيوط القصيدة المخفية واستخلاص عناصرها المخبوءة في القصيدة لنكتشف منها بنيوية الخطاب الشعري والقيمة الجمالية . ..................................................................................... العنوان العنوان مدخل أساسي ومهم ورئيسي في القصيدة هو عتبة القصيدة الأولى وثيمتها المثلى , وقد جرت دراسات كثيرة لإعطاء العنوان أهمية كبرى واستدراك مهماته واستخلاص ضرورياته , العنوان كان ولا زال هو النص الأول بل هو النص الكلي للقصيدة , فالقصيدة بلا عنوان كالرأس بلا جسد , وهنا يضعنا الشاعر أمام قصيدة لها عنوان جذري مع النص بل هو روح القصيدة ونبضها وشريانها الأبهر , حيث ان الشاعر وظف مشاعره وأحاسيسه في آلة موسيقية هي ( الكمنجة ) وهذه الآلة الموسيقية معروفة في الأوساط الفنية هي آلة حزينة في أغلب أوتارها الأربعة , بل وصفها البعض بأنها مبكية لما تحمله من وترٍ حساسٍ حزينٍ فلما تطلعنا في العنوان ( نجوى الكمنجة ) والنجوى هي للشخص الذي يخاطب آخراً غير موجود قربه أو بعيداً عنه , وهي أيضا ( النجوى ) كالهمس بمعنى أنها خطاب لطيف مغلف بالرجاء والتمني , فيكون للكمنجة الحزن وللنجوى الرجاء , وهنا تتجلى لدينا حالة عشق كبير ,وهذا ما سنعرفه في أبيات القصيدة . ...................................................................................... بداية القصيدة كانت مع آلة العود والذي تمثله هذه الآلة من أوتارها الستة التي أراد الشاعر من خلالها الإشارة إلى الغناء (( أنـــا والــهـوى والــعـودُ والــوَتَـرُ )) انه يشير بذلك إلى غنائية العشق الذي يشعر به , وهنا نتساءل عن معنى وجود العود والكمنجة في هذه القصيدة ؟ مؤكدا أن الشاعر لديه إذنٌ موسيقيةٌ جعلته يشابه توهجات مشاعره وأحاسيسه الذاتية مع هذه الآلات ويجعل من وجه الشبه فيها مقاربات حسّية ومقارناتٍ لفظية , فأن أصوات هذه الآلات تتشابه في ملفوظات الحروف الحزينة كالهاء التي طالما عبرت عن باطن الحزن فصار خروجها من باطن الإنسان وليس من فمه , يقول الشاعر (( رجع الكمنجة بات يطربني )) هذا تزاوج شعري موسيقي ذا نسق تعبيري . أنها رؤية أبداعية يتجلى أحدهما أو كلاهما , الشعر والموسيقى ينطقان في نسق تعبيري لبناء القصيدة فيلغي الشاعر المسافة بين ذاتية وموضوعية القصيدة لتتفجر طاقة إيحائية للغته في مداها الدلالي كي يتمكن من السيطرة على إيقاعه الشعري وينأى به عن الرتابة الإيقاعية التقليدية التي تؤسس نمطها على الانفعالية التقريرية المباشرة . القصيدة هذه انسجمت وتناغمت مع وزنها وقافيتها وبنائها اللغوي , أستطاع الشاعر أن يؤسس فيها فصاحة الكلام وبلاغة المعنى وعلينا تحديد هذه الفصاحة والبلاغة والإشارة إليها , فنجد قوله في عجز البيت الثاني : ((... لـــمـــا تـــدنَّـــى قِـدُّهـا الـعـطـر)) فصاحة أنيقة مهذبة اللغة صيغت بأسلوب فني جميل يمنح القارئ عذوبة اللفظ وسهولة المعنى , وأيضاً عندما يقول : ((هــاتــيــكَ أمــنـيـتـي اراقــبــهـا )) وهنا التطلع الذي يتأمله الشاعر كان دقيق الوصف جميل التعبير سهل المعنى عذب اللفظ , وفي البلاغة حيث يقول((مــازالَ يـغـزو خـاطـري هــوسٌ)) حيث نجد معنى كلمة هوسٌ في معجم اللغة يحمل تفسيرا جميلا ((الهَوَسُ : طرف من الجنون وخِفَّة العقل ، من أعراضه تضخُّم الأفكار وانتقالها السَّريع من موضوع إلى آخر بدون التمييز بين قيم المعاني وسرعة تداعيها ، مع الميل إلى النكتة اللاذعة والإحساس المفرط بالانبساط والمرح)) وهنا أقول أن البلاغة هي ما أستحوذ عليه المعنى وليس الظاهر , فقد أختزل الشاعر ببلاغته معنى ما يحدث فيه ويحترق فيه من أحاسيس ومشاعر وعواطف فأختزل معنى كل ذلك في كلمة واحدة فقط (( هوسٌ)) وأيضا هنالك في عجز البيت الثامن بلاغة جميلة حملت وصفا مختزلا ذا معنى فصيح وبليغ مشترك ((الاكِ خــطـبـا فــــيَّ مــــا يــــذرُ)) ان القصيدة تعتمد على نسبة كبيرة من الفصاحة والبلاغة لتكون قصيدة ناضجة تستحق أن تثمر في شجرة الشعر , الشاعر لؤي اللامي شاعر متمكن في لغته , استطاع من خلال حسه الموسيقي والشعري أن يقدم لنا قصيدة ناضجة منحتنا قراءة طيبة ممتعة , ما دامت القصيدة لم تقتات من الوزن والقافية جمالها فهي قصيدة حداثوية متمدنة عصرية , لأن القصائد التي تقتات على الوزن والقافية هي قصائد باهتة ميتة لأن مفرداتها تتبع فضلات الوزن أو منحات القوافي وهذا ليس دائما وانما غالبا , وهنا أيضا التمكن في استحداث الفكرة وابتكار بناءاً جديداً للغة , من المهم جداً الخروج من المألوف ومهم جداً التمرد على القوالب الشعرية القديمة التي يكون خطابها تقريري أخباري مباشر , وهنا يختلف الأمر من حيث ذلك , إذ أستطاع الشاعر توظيف لغته ومفرداتها وموسيقاه وفكرته وتعبيره من مستوى بسيط إلى مستوى عالي , حيث نجد هرماً تصاعدياً في سرده للحدث مثال ذلك ان بداية القصيدة كانت بداية سرد شعري , يطلق من خلاله الشاعر بداية المعنى الذي يريد توجيهه أو إرساله فقال ((أنـــا والــهـوى والــعـودُ والــوَتَـرُ ... وحـديـثها الـهَـمَسَاتُ والـمـطرُ)) ولم يسهب أو يسترسل ؟ بلا قطع هذا السرد الشعري باقتضاب فأنتقل مباشرة إلى قلب الحدث حيث يقول في البيت الثاني (( رَجْــعُ (الـكـمنجةِ بـاتَ يُـطربني ... لـــمـــا تـــدنَّـــى قِـدُّهـا الـعـطـر)) الحق الصدر بالبيت الأول سردياً وبدأ بعجز البيت الثاني دخولاً للمعنى الأكثر تأثيراً في القصيدة حيث من هذا العجز تبدأ العلة والدوال تتبع دالاتها المشعة ((... لـــمـــا تـــدنَّـــى قِـدُّهـا الـعـطـر)) في القصيدة الكثير من الأبيات والجُمل مغلفة بفصاحةٍ لطيفة وبلاغة عميقة , مثال ذلك : ((ولـقد سـعيتُ ومنتهى خَلَدي ... انــــي اطـــولُ فـكـيـف اعــتـذرُ)) هذا البيت فيه من العمق البلاغي ما يعكس ثقافة الشاعر ومدى إطلاعه وأفقه البياني حيث جسد فيه معنى الأبدية بالخلود وجسد فيه كبريائه بترفّعه , وقد قيل ان البيان هو ما يختصر من اللغة فصاحتها وبلاغتها بالحكمة , هنالك أيضا الجانب الموسيقي اللطيف حيث القافية الرائية منحت القصيدة أجراساً جميلةً . ............................................................................................... القصيدة ((نجوى الكمنجة )) للشاعر لؤي اللامي قصيدة ناضجة ورائعة قدمت للمتلقي أفقاً وفضاءً شعرياً جميلاً , القصيدة غير معقدة المعنى وجاء التوظيف اللغوي فيها منسجما متناسقا مع معناه , يستطيع المتلقي أن يستدرك فحوى القصيدة من خلال الصور التي قدمها الشاعر في قصيدته وهذه الصور هي مدخلٌ وفره الشاعر للمتلقي كي يلج منه الى رؤية القصيدة ورؤاها , الجُمل والمفردات التي تموقعت في أبيات القصيدة وجدنا لها دوال ومدلولات ترجعها الى معناها الذي وظفت له , لم يكن هنالك حشواً أو زيادةً من أجل أطالة شكل القصيدة ؟ بل أكتفى الشاعر بتقديم ما توحي أليه قريحته الشعرية , فكانت قصيدة جميلة وماتعة أستطاع الشاعر من خلالها الوصول إلى مخيلة المتلقي من خلال قصيدته التي تشق طريقها وفق أرضية خصبة بالشعر واللغة والموسيقى .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
القصيدة كاملة 
نجوى الكمنجة 
أنـــا والــهـوى والــعـودُ والــوَتَـرُ ... وحـديـثها الـهَـمَسَاتُ والـمـطرُ
--
رَجْــعُ (الـكـمنجةِ) بـاتَ يُـطربني ... لـــمـــا تـــدنَّـــى قِـدُّهـا الـعـطـر
--
هــاتــيــكَ أمــنـيـتـي اراقــبــهـا ... لـنـوالها مــا الـخـوف؟ما الـحذرُ
--
مــازالَ يـغـزو خـاطـري هــوسٌ ... نــحـو الــتـي بـوصـالـها الـظَـفَرُ
--
ما لُمتُ شوقي حينَ يدفعني ... صـــوبَ الـغـوايةِ كـيـف اصـطـبرُ
--
الــكـأسُ مــا عــادتْ تـصـبِّرني ... وأنــيـنُ نـــايٍ شــأنـهُ الـضـجـرُ
--
نـجوى وحـسبي حين اذكرها ... تـهـوى الـمـنى ويـمـانعُ الـقـدرُ
--
ابــــنُ الــفـراتِ وطـبـعـهُ جَــلِـدٌ ... الاكِ خــطـبـا فــــيَّ مــــا يــــذرُ
--
اغـفـو عـلـى امــلٍ بــه أمـلـي ... واقـــــودُ ركـــبــاً كـــلــهُ صـــــورُ
--
ويـحـولُ مـا بـيني وبـين هـوىً ... بـحـرُ الـعـوائقِ خـوضـهُ الـخـطرُ
--
نـجـوى سـأنـشدها بـقـافيتي ... لـحـنـاً يــطـولُ ومـــا بـــه قِـصَـرُ
--
يــاوردةً كـونـي عـلـى جَـدَثـي ... مـيـسي فأنت الـبرعمُ الـنَظِرُ
--
طــفْ يـا فـؤادي فــي جـزائـرها ... وارقـــب مـفـاتـنها لـــك الـبـصرُ
--
فـــاذا الـتـقـينا فـالـشغوفُ انــا ... بـكـثـيرِ دأبـــي عــنـدكَ الـخـبـرُ
--
ولـقد سـعيتُ ومنتهى خَلَدي ... انــــي اطـــولُ فـكـيـف اعــتـذرُ
--
يــامـن تـمـلَّـكتِ الــفـؤادَ رضـــا ... لو تقبلين فدونـــــكِ الــعُمُـرُ
--
عـيناك بــاتـتْ ســـرَّ أُحـجـيـةٍ ... حـــارت بـهـا وبـسـبرها الـفِـكَرُ
--
لا يستوي من في الهوى ثَبِتٌ ... عــمـن هـــواهُ يـشـوبهُ الـبـطرُ
2015-5-24 —

تعليقات

المشاركات الشائعة