قراءة في نص الناقد الشاعر سعدي عبد الكريم (كواكبٌ من نواحٍ) تقديم مهند طالب الدراجي
قراءة في نص الناقد الشاعر سعدي عبد الكريم (كواكبٌ من نواحٍ)
تقديم مهند طالب الدراجي
.......................................
عندما يكون الناقد شاعراً, فنحن أمام نصٍ ذا معيار خاص لقياس
الجمالية التي يكتب فيها , رغم أن معايير
الجمالية الفلسفية واحدة سواء عند الناقد أو الشاعر , الا أن
التوظيف والاستعارة والتشبيه تنعطف قليلاً نحو
التميز بسبب الرؤية التي يمتلكها الناقد في معالجته للنصوص
وتفكيكها وتحليلها , مما يمنحه عمقاً آخراً
داخل
الرؤية و يتجلى ذلك بالوعي الذي يعكس بداهة الشاعر التي جعلته
ملماً بالحركة الشعرية عند الرواد
والمحترفين , وكالمعتاد فأن العنوان مدخلٌ مهمٌ في علاقته مع
النص
وهنالك دائما علاقة والا فلا قيمة
للعنوان
إن ابتعد عن معرفة النص والتداخل فيه , لذلك جاء العنوان بهذه
الرمزية (( كوكب ٌ من نواح ٍ )) إذاً هنالك
أشياءٌ رائعةٌ تتعرض للألم في هذا العنوان , تسبب لها النواح الذي
لا
يصدر الا من ألم وليس حزن ؟ فالنواح هو
من تداعيات الألم وافرازاته.
في باحة ِ الروح ِ
ثمة َ أزمنة ٍ قفـار ٍ
تخالجها الخطايا
تعالجها المنايا
لكن غضبةٌ من يقينِ ٍ
ترتقي للعلا
لتروي المآقي
بمداد ِ العيون ِ
واقتراب ِ المنون ِ
فالمحاجر ترقب ُ
قبة َ الحسين ْ
...............................
علاقة النص هنا ليس علاقة تاريخية بواقعة الطف وتداعياتها ؟
فالأمر
منوط بما بعد تلك الأحداث وما تجلى
عنها وما تدلى منها , والشاعر سعدي عبد الكريم , يوظف خلجاته
وتوهجاته من خلال المحاكاة الملامسة
للواقع ,ما يحدث لكل هذه القلوب الحرّى بحب الحسين وتحت قبته
؟ أنها ينابيع من الأحساس متدفقة في
ذات الشاعر , يعيش هيبة المشهد وعظمة الصورة , نلاحظ سياقات
النص في جدية التركيب للتعبير المجازي
, حيث العلاقة هذه ومعجمية اللغة وتاريخية الحدث تعكس التناص
الصوري المشهدي للواقعة يتجلى في
اللغة صوراً شعريةً ذات انفعلات حسّية تطلقها الرؤى وتمتصها الرؤية
لتكون هذا المضمون والتعبير .
يا سيدي ...
يا سيد الكون ِ
يا سيد َ الإحياء ِ
يا سيد َ الأسماء ِ
يا سيد َ الشهداء
يا نبضا ً يداهم ُ دمعتي
يا نورا ً يواشج ُ مهجتي
يا أنت َ ...
يا قبرا ً نلوذ ُ به ِ
حين تزدحم ُ الفواجع ُ
وحين تندمل ُ الجراح ُ
وحين تلفحنا الخطايا
أيـا طير َ القطا
الذي ما غفـا
قتلوك َ ...
لأن دم ِ النبوة ِ يسري فيك َ
يا أيها الزمان ُ
يا أيها المكان ُ
والنزيف ُ
يا دمعة ً مديدة ً
يا وجنة ً تريبة ً
يا شيبة ً خضيبة ً
يا دمعة ً سكيبة ً
أندحت من زرقة ِ السماء
أيـا كوكبا ًمن نواح ٍ
يا جنة ًمن نواح ٍ َ
حين تعانق ُ دمعة َ الحياء ِ
شغاف الوجنتين ِ
في حضرة ِ البكاء ِ
فوق َ تربة ِ الرمضاء ِ
او دمعة ٌ من دماء ٍ
تهبط ُ من رحم ِ السماء ِ
....................................
وهنا ينطلق الخطاب , بكل ايماءاته وايحاءاته وانزياحاته صوب
القداسة التي تجلت بشخصية الامام الحسين
عليه السلام , مهمة الافتراض التوصيلي للرسالة هو الخطاب
الشعري , وهو من السياق الجمالي المتكامل
, كمنظومة جمالية تتمكن من ممارسة تخييلها وفق خصوبة في
الرؤية تتواتر فنياً مع النثر الذي يشهد تعايشاً
وتجاوراً بين تحولات متغيرة تتفجر من خلال ينبوعها العاطفي
والحسّي , لا أقول أنها إيديولوجيا ذات مصدر
تاريخي ؟ لكنني أقول أنها مصدر ذا ايديولوجيا تاريخية , علاقة الفرد
بمقدساته وعلاقة الايمان بالفرد , كلما
علا صوت الايمان كبر حجم خطابه , وهذا ما نقرأه لدى الشاعر
سعدي عبد الكريم , تتعدد اتجاهات خطابه
لكنها داخل المضمون , اذ انه يتجاوز جميع الفروض النصية ليصنع
رؤيته التي تكشف عن طرح ذا أبعاد واسعة
ليس حول الفكرة فحسب بل ؟ لمستوى أبعد من الواقع , وهكذا
هي عالمية الثورة الحسينية , لم تكن
ضمن واقع ولا ضمن محيط ؟ بل هي ممتدة من الماضي الى
الحاضر
الى المستقبل , وهذا ما نعشقه في
النصوص التاريخية الدينية , أنها متجددة على مر الدهر .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
الرؤى :
ركز الشاعر على دلالات ذات تحديد خاص مثل (يا سيد الكون ِ_يا
سيد َ الإحياء ِ _يا سيد َ الأسماء ِ_يا سيد َ
الشهداء _يا أنت َ_ يا أيها الزمان ُ_يا أيها المكان ُ) هذه الدلالات
المحددة تضمن للشاعر وصولها الزمكاني
والآني بنفس الوقت , فهي خطاب لكن من نوع آخر , خطاب يعبر
المساحة التي ينطلق منها , ولعمق هذا
الخطاب وما تخلله من معانٍ تحمل في طياتها مشاهد وصور كبيرة
تعكس ( الواقعة _ الامتداد _ الماضي _
الحاضر _ المستقبل ) كما أنها تمتد أيضا الى نحو أكثر عمقاً من
الزمكانية ؟ ومفهوم ذلك مفهوم قدسي
وجودي اللهي , ان الشاعر يقوم بتحميل هذه الابعاد بدلالات مميزة
خاصة يدركها الشاعر والمتلقي ويعرفان
ما معنى (يا سيد الكون _ يا سيد الاحياء ) ختاما إن الشاعر
يستقصي هذا الخطاب ويمكن اعتباره تقنيةً
بنيوية يستقصي من خلالها صيغة الخطاب في حرف النداء (يا )
الذي تكرر لحاجة تتجاوز سياقات مختلفة في
خطابها ومعانيها مما يمنحنا بهاء الصورة الشعرية وتوهج المعنى
فيها .
إنتهى
تعليقات