الناقد صالح هشام - الرباط - ملاحظات حول القصة القصيرة جدا
ملاحظات حول القصة القصيرة جدا /قدمها القاص فلاح العيساوي
بقلم الأستاذ :صالح هشام / المغرب
إخواني ، إن القصة القصيرة بصفة عامة هي عصارة الفنون السردية قديمها وحديثها ، والقصيرة جدا عصارة العصارة ،لأسباب عدة منها : أنها تسابق عامل التحجيم ، فالمساحة ضيقة جدا والكاتب ملزم بادارة أحداث وشخصيات وقفلة وعقدة وما شابه ذلك من خصائص الفن السردي ،وبما أن الأمر كذلك فإن الكاتب ملزم بأن يكون فنانا مصورا من مجموعة من الزوايا المغلقة وبكاميرا مجهزة بنظام ثلاثي الابعاد ،يعني هذا أن الجملة التي سيوظف ، ستكون لها أهمية كبرى في نجاح أوفشل القصة ،فأنت ملزم بجملة لا تتجاوز عدد الأصابع من حيث الكلمات ، وستستغني عن تلك الروابط اللغوية المجانية ، حاول أن تربط جملك بالمعنى وليس بالرابط اللفظي لأنه سيشوش على أسلوبك ،أضف إلى ذلك أن هذه الجملة لا يجب أن تكون عادية ولا أقصد على المستوى النحوي وإنما من حيث التركيب والإسناد ، فلنحلق قليلا في عالم الانزياح فإنه يساعد على خلق الصور الشبيهة بالصور الشعرية ،فجملة القصة جملة شعرية على مستوى التركيب وحتى على مستوى مساحة البياض والسواد ،بدون لغة انزياحية لا يمكن أن نضمن التكثيف الذي تقتضيه طبيعة القصة القصيرة جدا ، فالجملة التي لا تحتمل التأويل من قاريء إلى آخر تشطب ولا تستعمل وأعني هنا أن الكاتب ملزم بتوظيف الرموز والايحاءات ولفت النظر لجعل القاريء يساهم بشكل أو بآخر في إعادة صياغة بناء القصة ،وإذا سمحتم لي يمكن أن أعطي مثالا من حيث التكثيف بالمثل الشعبي أو الفصيح الذي يقول كل شيء في أقل عدد من الكلمات ،فاللغة المباشرة التي يستعمل بعض الاخوان أصبحت متجاوزة حتى في الرواية ، هذا يعني أن الكتاب أصبحوا على وعي بأن اللغة الفنية ليست إطلاقا لغة اخبارية يستهدف منها توصيل معلومة معينة للقارئ ، كسر المألوف ، كسر النمطية ، كسر قواعد الإسناد ،تحايل على القارئ لجعله يطرح أسئلة يستهدف منها معرفة ما تهدف إليه ، لا تستهن بالقاريء ، فهو في كلا الاحوال يبحث عن المتعة الفنية وعن الغرائبية والادهاش ،أما الواقع فإنه يصبو إلى الابتعاد عنه ، فكن فنانا وحلق ليحلق معك في عالمك ، هذا من حيث اللغة والجملة المركزة والقصيرة جدا جدا ،اما من حيث المعاني التي يهدف اليها القاريء ، فليس كل حدث قابلا لان يوظف في قصة ، المعروف والبديهي والمبتدل فاجتنبوه ، وابحث لنصك عن افكار جديدة ، والجدة فيها تكمن في طريقة تعاملك مع هذا الحدث او ذاك ، واترك نصك مفتوحا على تعدد القراءات ، لان القراءة الواحدة تقتله وتعلن نهايته ، هذه فقط بعض ما أراه شخصيا يفيدنا في كتابة القصيرة جدا ، وأتمنى لكم مزيدا من النجاح .
الاستاذ......................................................صالح هشام
الاربعاء 11/11/2015.....................................الرباط
تعليقات