القاص عادل المعموري - العراق - بقــــرة الزعيــــم __قصة قصيرة __




بقــــرة الزعيــــم __قصة قصيرة __

يظن نفسه قيصراً..يجلس في عربة مرصعة بالذهب والياقوت يجرها حصان مجنّح ،يشربُ من ماء معدني ولا يأكل غير لحم الغزال ،ترتخي شجيرات الصنوبر لمقدمه ،تخافه الذئاب والحملان معاً ،شمعدانات تحمل شموع ملونة تزين قصره المنيف ،زهريات الورد تنتشر هنا وهناك في أرجاء الصالة الكبيرة ،يترع من فناجين القهوة ، ويرقص على جثث اليتامى والمعوزين ،حبال المشانق تشبه سنديان أزهاره الطافحة بلون الدم ،لا يحتسي إلاّ الويسكي المعتّق ،تنتابه حالات هياج مسعورة أغلب الأحيان ،الظلام يؤرقه والليل يخيفه 
يغلبه السهاد فلا ينام إلاّ اذا شرب المسكر والحبوب المهدئة ،صبّار أيديولوجاته يمزق زهور السلام الوادعة ،أشواكه يغرزها في عيون محرومة من لقمة الخبز ،يسرق المكحلة من عيون شابها الذبول في عهد لم تمطر السماء فيها قطرة واحدة ،
انضوى تحت لوائه المتملقون وذوي الأردية الزيتونية 
، دق أوتاد الفجيعة في كل بيت ،علق بباب قصره مشاعل الحروب ،هوادج الشهداء تترى أمام ناظريه ،لم بطرف له جفن ،الليلة أرّقهُ السهاد ..تلك الجارية التي تنام قرب فحولته ،لاتثير فيه ايّما عاطفة ،ُطرِقَ عليه الباب جاءه صوت مرافقه الشخصي جافاً كروحه :
___سيدي القائد ..آسف لإ زعاجك ..حصل أمر جلل 
يرتدي روبه .. يهمس بضجر :
__أدخل .
__سيدي إحدى بقرات الفريزر الثلاث البرازيلية فاجأها المخاض وهي في حال سيئة 
يخرج عند عتبة غرفته:
__ما ذا أصابها ..لمَ لم تلد ؟ أين الطبيب البيطري ؟
__حاول معها كثيرا ولكن صعبت عليه حالتها .
__أجلب لي الطبيب حالا ؟يتنامى رأسه طرديا مع افكاره المتصارعة ،جبهات القتال لا تبشر بخير ،اكثر من هزيمة وقعت لألويته المقاتلة ارتدى بزته العسكرية وتقلد حزام مسدسه وخرج حاسر الرأس وقف عند الساحة التي تحيط بها الأشجار وعيون المخبرين والسعاة.. اقترب منه حارسان ..طلب منهما تركه وشأنه ،السيجار يشتعل مع فوران أعصابه المستوفزة ،لاح له الطبيب من بعيد وهو يركض نحوه مضطربا ،يرافقه رجل الحماية الشخصية رقم واحد :
__أيها الغبي مابها بقرتي المسكينة ؟اقترب منه وهو يلهث قائلاً :
__سيدي ولادتها صعبة جدا ..إني احاول جهد امكاني انقاذها 
__ان ماتت البقرة ..اقرأ على روحك الفاتحة 
يتمطى الحزن على قارعة أماله وعرقه المتصبب فوق انفه ينبئ بكارثة قادمة لا محالة ..البقرة بدأ تنفسها يخفت رويدا رويدا ،ظلمة الليل وأشعة النيون الملونة ونافورة الماء القريبة وجداول أمنياته بالخلاص بدت مستحيلة كل المرئيات تحولت إلى ظلام .. بدا ه تحت ضرع تلك البقرة تجوسان في الفراغ 
..نفسها يعلو ويهبط وخوارها يؤلمه .. توغلت في أعماقه..كلمات الزعيم وهو يهدده بالقتل إن لم يفلح في انقاذها ..آه أيتها البقرة إن لم تعينينني على نفسك ..سنموت سوية ..أنت بالطلق والمخاض وأنا لا اعرف كيف سيكون موتي ..تأوهاتك وخوارك بعجلان بموتي هذه الليلة.. كاد أن يفقد الوعي وهو يرى البقرة تموت تحت رحمة كفيه المرتعشين ،_سيدي ماتت البقرة ،رشقهُ صوت مرافقه الأ قدم 
__ يا إبن الكلب ...اجلب لي ذلك الدكتور الخرف وأوقفه وسط الساحة أمامي 
__تؤمر سيدي .
__اسمعْ ؟اجلب لي سيارة واوقفها هنا.
توقفت السيارة السوداء الفاخرة ..صعد إليها وأدار محركها ..عيناه الحمراوان تحدقان بالطبيب وهو يقف وسط الساحة وهو يرتجف كطير مبلول ..يختض كالسعفة ..ينظر من طرف خفي نحو الزعيم الذي كان يقف وسط الساحة 
اللوحة الراعشة للطبيب وهو يقف مذعورا ..تمزقت ..فقد صعد الزعيم داخل السيارة ..قر ر أن يقودها بنفسه ..تدحرجت قامته تحت عجلات السيارة المسرعة ،الدماء نزت على بلاط الساحة وعينان مدميتان تنظران إلى السيارة الغاضبة وهي ترجع القهقري ..حاول أن ينهض ..ارتطمت رأسه بدولاب السيارة الخلفي وتوقفت أنفاسه الخائفة ،هدأت روحه وتمدد هذه المرة بلا رعشة ولا وجل ولا خوف ..نزلَ الزعيم الغاضب من السيارة ، اتجه صوب غرفته وهو يتمتم بانتشاء :
__خذوه وارموه في المزبلة ؟
بعد ان هدأت خوالجه وارتخت مفاصله ...تجرع من كأس الويسكي الذي كان أمامه ثم ألقى نظرة نحو الجسد العاري أمامه..هزّ رأسه ..تثاءب .. أدار عجيزته نحوها 
وغط بنومة عميقة كان يفتقد ها .. منذ أيام طويلة .

تعليقات

المشاركات الشائعة