وَمْـضَـــة ...
شَـحَـنـتْـني بروحـِـهــــا الأنْـواءُ || وهـَـدَتْني إلى الطريق السَّماءُ
أنا ما زلْتُ هـــائمـاً في مكاني || وفـــــؤادي مَــكانـُــه الجَــــوْزاء
أنا أشْتاقُــكُـــمْ ولسْـتُ أراكُــمْ || أنتُمُ الـــرّوحُ والسَّـنـا والضِّــيـاءُ
وفؤادي المَشـــوقُ قدْ فَرَّ مني || يُسْرِعُ الخــطْـوَ فاعلاً مـا يَشاء
أنا في الأرضِ ما يزالُ مُقــامي || وهـْــوَ يـَهْــفــو تَشُدُّه العَــلْيـاء
وهــو لا يُرْسِـلُ العـيــونَ ولكـنْ || هُــوَ عــيْنٌ مُسْـتَـيْـقِـــظٌ قَــرّاء
مِنْ تُخوم الآفاقِ صَوْتٌ يُنـاديــــــهِ وقدْ عَـــــمَّ في السَّماء الصَّفاء
فـــيَراهُ بأذْنــِـهِ مـثْـلَـــمـا يَسْـــمَـــعُـــهُ بالعَـيْـنَـيْــنِ وهْـوَ نِــــداء
أنا أذْنٌ، وإِنْ تَشَأْ قُــلــتَ عَـــيْنٌ || فَنِـيَـتْ عن وُجـودِها الأعْــضـاء
لم يَعُـدْ في الوُجــودِ أذْنٌ وعــيْنٌ|| أو فــــؤادٌ يَـنـالُ مــنْهُ الـعَــنـاءُ
بلْ كيانٌ تُنـيرُه الشَّمـْـسُ دوْمـــاً|| وإلى الــرّوحِ تَـنْـفُــذُ الأضْـــواء
كنْتُ من قبْلُ فانِياً في بَقــــائي|| فوَجَـْدتُ البقـاءَ حَــيْثُ الـفَـنـاءُ
فَنِيَ الدَّهْـــرُ والمـَـكانُ تلاشى || وسِوى الـنُّورِ لـمْ يَـظَــلَّ بَقـــاء
خِلْتُ نفسي مُخَلّداً في وُجودي||لـم تَلـُــحْ لي بِدايَــةٌ وانْتِـهـــاء
تلك حـالٌ مَكَثْتُ فيهــا سَعــيداً || لــيــسَ إلاّ الأفـْــــــــراحُ والآلاء
لستُ أدري أعِــشْتُ فيها طويلاً|| أم تلاشَــتْ كأنَّـهــا إِغْــــفـــاءُ
ظُــنَّ خَــيْراً ولا تَسَلْـني مَــزيداً || وَمْــضَـةٌ مـرَّتْ وانتـهـى الّلألاء
ربَّما (الذّاتُ) في ليالي صـَفاهـا || يُكْشَفُ السَّتْرُ دونَهــا والغِطـاءُ
هكـذا كانَ وانتَهــى كلُّ شيْءٍ || رَجْـعُــهُ في الفـؤادِ عَــذْبٌ رُواء
ثم عادتْ لِيَ الأحاسيسُ تَتْرى || وبِدُنْــيـا الآلامِ عــــادَ اللِّقـــــاء
******
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة الحادية عشرة (ديوان أواخر الصيف)ـ دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع ـ عمّان ـ ط1 عام 2014م ص 80]

تعليقات

المشاركات الشائعة