القاصّ علي الحديثي - العراق - جوهرة الصحراء



جوهرة الصحراء

أمام الخيمة جلست وحيداً، أمسح على الرمال، أتحسس ملمس جسدها الذي لامسه، وقد سرى عطرها بين ذراتها، أحمل بيدي حفنة منه لأشم أنفاس روحها التي غاصت كقطرات الماء، وتنبت شفاهاً مزقتها قبلات شبقة لم تستطع أن تخمد نيران جسد متهالك.. أنفث دخان سيكارتي في كل اتجاه كأنني أستفرغ بها صرخات ألجمتها سنوات طفولة أضاعت الطريق نحو رجولة بلهاء..
بدأت الرياح تحرك فيّ مشاعر الرجولة حينما أخذت تناغم الرمال، لينثني بعضها فوق بعض، تقلد حركات جسدها الملتوية يوم تراقصت تحت كفي، حتى تلألأتمرتفعاتها كجواهر لمعت تحت أشعة الشمس، هامساً في أذنها:
_ أنت اليوم جوهرة الصحراء..
ارتعشت السماء من ضحكتها، وأقبلت الغيوم سكرى من سماع صوتها،وهي تمني نفسها بالاحتفال معي أو معنا بليلة نستلها خلسة من ثياب الزمن المتهرئة، ليهطل طربها قطرات تحمل أصوات البيانو عازفة أنغام الوجود على جسدينا، كل قطرة انزوت مع حبة رمل في زوايا خيال مترع بلذة الحياة التي عشقتنا كما نحن يوم لفظتنا أرحام أمهاتنا.. ولتمنح العقل إجازة من عمله اللامجدي ، والذي يتحول في تلك اللحظات إلى آلة مزعجة، تعوق عمل الروح العائمة في فضاءات وجدانية يعيشها الجسد وتستلذها الروح...
ارتميت فوق رمال صحراء، وصفير الرياح يئن لوحدتي مترنحاً بين الآفاق، حاملاً معه دموعاً ممزوجة بالعدم الذي استفاق غوله في داخلي.. بيدين عابثتين بذراتها أخذت أزيح تراب الحياء عن مسامات نشوتها، لتختلط أنفاسها المتقطعة بلهيب القبلات التي كممت أفواه أولي النهى عن الانفطام من همهماتها.. وتسري في الكون قشعريرة جعلته يموج في عينينا.. الشمس والقمر.. الليل والنجوم.. الصحراء والليل.. الموت والحياة .. أنا وهي..
بدأت أحرك رأسي كصوفي هام وجداً وهو يصيخ سمعاً لمدد لا وجود له إلاّ في أوهامه.. والأمطار تنسدل مع شعري الطويل، أمرر يدي على جسدي المبلل أبحث فيه عن مواضع أناملها التي لم تدع مكاناً فيه من دون بصمة لذكراها، لعلها تستشعر بلمساتي وتهطل مع المطر.. أو مع الريح.. أو.. التفت إلى داخل الخيمة، لعلها تكون هناك.. أخشى الدخول إلى الخيمة وحدي، فهي ستطردني إن دخلتها ولم تشم عطر جسدها على جسدي، لأبقى وحيداً أمام الخيمة، أسندت ظهري إلى وتدها، ولأغفو قليلاً.. أفقت.. فإذا بالظلام قد افترش المكان، إلاّ ضوءاً مزعجاً يقتحم عيني حدقت فيه بعينين أرهقهما الانتظار البائس.. لم تأتي بعد.. فأغلقت صفحة الفيسبوك، والحاسبة، فلا جدوى من انتظارها بعدما انقطع التيار الكهربائي...

تعليقات

المشاركات الشائعة